08 - 05 - 2025

وجهة نظري| أغنياء من التعفف

وجهة نظري| أغنياء من التعفف

شعب عجيب .. غريب .. يبدو عليه الفقر، لكن تصرفاته وسلوكه تشى بالغنى والثراء وسعة الرزق .. هكذا نبدو فى عيون من يراقبنا عن بعد .. من يرصد تصرفاتنا بالعين المجردة السريعة الخاطفة.. وليس من يجهد نفسه بالتحليل المدقق الذى يسبر أغوار الحقيقة ويتمعن فى التفاصيل ويتعمق فى دراسة السلوك ويدرس ما وراء الظواهر العارضة والأمور السطحية ..

يتعجبون من كثرة أحاديثنا بالهواتف المحمولة، يرونها دليل ثراء ويسر حال، والحقيقة أن كثير منا يضطر لاستخدامها كوسيلة وحيدة للحفاظ على صلة الرحم والترابط العائلي ومعرفة أخبار الأهل بعدما باتت زياراتهم عسيرة وصعبة ومجهدة بفعل الزحام ومكلفة بسبب ضيق ذات اليد.

يتعجبون من إقبالنا على شراء الكحك ولا يدرون كم التعب والجهد الذى تحملته كل اسرة لتدبير ثمنه حتى لاتحرم أولادها من "فرحة العيد" .

يذهلهم ضجيج المولات وطوابير السينمات وتكدس المطاعم يرونها مظهرا من مظاهر الترف المبالغ فيه والذى لايتناسب مع ضنك العيش الذى يحتم على كل أسرة إعادة النظر فى ميزانيتها والإقتصاد قدر مايمكن.

أحوال الملايين الشقيانة تلك غرت ولاة أمورهم، ولأنه قادرا على تحمل تكاليف فرحة العيد من وجهة نظرهم فليس كثيرا أن يتحمل غلاء ما بعد العيد ..

فجاء القرار المحبط بزيادة أسعار الوقود وكدر فرحة الغلابة وبشرهم بمزيد من ضنك الحال.

ثم تبعه قانون ضريبة الدخل الذى حمل الطبقات ذات الدخل المحدود مزيدا من المعاناة بينما جاء كالعادة حنونا على الأثرياء وأصحاب الدخول المرتفعة.

بدت القرارات الغريبة فى توقيتها الصادمة فى تفاصيلها وكأنها جاءت لتغتصب فرحة العيد .. وبدت وكأنها عقاب على مظاهر بذخ وهمية استكثروها على الشعب الحزين، متجاهلين أن تلك المظاهر الخادعة لا تكشف عن شعب غنى . وليس وراءها جيوب عامرة ولا بيوت فاخرة ولا أرصدة فى البنوك متخمة بقدر ما تعكس حالة أسر غنية بالتعفف .. تبحث عن فرحة تحاول أن تنتزعها غصبا من بين أيامها الممتلئة قلقا وألما وحزنا .. تحاول أن تتناسى ضيق الحياة وضنك العيش وتفاصيلهما المرهقة.. تنسى هموما فى انتظارها لتدبير أقساط السيارة وفواتير الكهرباء والمياه ومصاريف المدارس والدروس الخصوصية وميزانية مختلة دوما بفعل الغلاء .

حاولت أن تتجاهل متاعبها وأوجاعها، وتقتنص لحظات فرحة يوم عيد لكن يبدو أن هناك من يستكثر علينا تلك الفرحة وتبدو أن الكحكة فى إيد الشعب المطحون عجبة .. ربنا كبير.

مقالات اخرى للكاتب

قانون الإيجار القديم .. لغم لا يحمد عقباه